محمد صبري يكتب: العدل والميراث في الإسلام

مما يوجّه من نقد للدين الإسلامي هي قياسه غير العادل في شأن المواريث بين الرجل والمرأة. وللأسف الشديد يبرر رجال الدين الإسلامي هذه القضية بمبررات هي إن صحت وفقاً لمقتضيات عصر معين فهي لا تتناسب ولا يمكن أن يستوعبها عصرنا الحالي الذي يسعى فيه تيار كبير من البشر إلى بناء مجتمعاتٍ على قدر كبير من الإنسانية يسودها العدل والمساواة بين جميع البشر دون تفرقة من حيث الجنس أو العرق أو الدين ..إلخ.
يبرر رجال الدين أن للمرأة نصيب في ميراث إحدى والديها وهو الثلث فقط، وذلك لأن الدين لا يلزمها بأي مصروفات فهي تكون في صغرها تحت رعاية والدها يتكفل بجميع إحتياجاتها، وبعد زواجها تكون في كفالة ورعاية زوجها ومُلزم بالإنفاق الكامل عليها حتي وإن كانت تعمل فهي غير مكلفة بأن تنفق من مالها شيء، وإن مات زوجها أو طُلِّقت تعود إلى رعاية والدها أو أَخواتها الذكور إن لم يكن لها أبناء يستطيعون التكفل بها ورعايتها؛ وبالتالي حصولها علي الثلث يكون عادلاً لأن الدين رفع عنها كل إلزام بالإنفاق.
لكن إذا نظرنا لعصرنا الحالي فإن تلك الرعاية الكاملة لا تحدث (وإن حدثت فهي حالة إستثناء، رغم أنه عليها شرعاً أن تكون القاعدة)؛ ذلك لإختلاف العصر ولصعوبة توافرها في شكلها القديم وإن سعى البعض إليها فهي تتعارض مع بعض القيم الانسانية المعاصرة (كالإستقلال الفردي والأنانية).
ويري التيار الأعظم من رجال الدين أن موضوع المواريث غير قابل للنقاش أو الإجتهاد لأن النص القرآني واضح وصريح، ومخالفة ما شرّعه الله في قرآنه إنما يُعد كُفراً وهجر للتشريع الإلهي، وأننا لن نكون أعدل من الله الذي له حكمة من ذلك إن لم نعلمها فلا يعلمها إلا هو.. ولكن هذا الجواب وما يشابهه من ردود من حيث مضمونه هو من غير المنطقي. فإن كان القرآن الكريم به تشريعات صريحة غير قابل للتأويل مثل بعض العقوبات المحددة لبعض الجرائم وبعض المسائل المنظمة للأسرة والمجتمع، فهي تشريعات لا يمكن تطبيقها إلا بتوافر بعض الشروط التي إن لم تتوافر حين تطبيق التشريع القرآني يعتبر ذلك مخالفة صريحة لجوهر ومقصد التشريع الإلهي؛ هذا ما استند عليه عمر بن الخطاب عندما أوقف تنفيذ حد السرقة في وقت المجاعة (لأن المجاعة أجبرت الناس على القيام بذلك)، ذلك رغم أن القرأن صرّح بشكل واضح على أنّ من يسرق تقطع يده دون أن يرد فيه إستثنائات، لعدم إعمال النص، لكنّ عمر أخذ بمقاصد الجوهر الحقيقي للنص وهو ردع السارق (بإزالة الأسباب التي تؤدي للسرقة). فهو قد عطل النص من حيث الشكل لكنه حقق مقاصد وجوهر النص. وبالإستناد على ذلك فإن المساواة بين الرجل والمرأة في المواريث لا تكون مخالِفة للنص القرآني، ذلك لعدم توافر شروط تطبيق شكل النص، لكن في نفس الوقت نكون قد أعملنا جوهر النص ومقاصده ويمكن بتلك الطريق التي تعامل بها عمر بن الخطاب أن نعالج الكثير من المشاكل التي تعيق تحرك المسلمين في العالم وتتسبب في تخلفهم وتراجعهم.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

محمد شورى يكتب عن: الأحكام الأخلاقية والفرعون الكبير